قامت إدارة العين العزيزية بإنشائها في نواحي جدة الثلاث: الجنوبية الغربية لحجاج البحر، والشمالية لحجاج الجو، والجنوبية الشرقية لحجاج الأفارقة إن هذه المدائن تعتبر حدثاً عمرانياً بالغ الأهمية، بالنسبة لتطور جدة. فقد كان الحجاج حينما يفدون إلى هذه البلدة فيما سبق إنشاء مدائن الحجاج هذه، يقيم كثير منهم في الدور الخاصة، وبعضهم يتخذ من الشوارع العامة منازل لهم، وبعضهم يتخذ من ضواحي البلدة مساكن، وكل هذا من شأنه أن يزيد من الضيق والتضايق في البلدة ويجلب التبرم إلى الحجاج ويجلب مع كل ذلك شيئاً لا يستهان به، من تراكم فضلاتهم في الشوارع العامة وفي الدور الخاصة وفي ضواحي البلدة على السواء، فينشأ من ذلك تغير الهواء وفساد الجو، ويتبع ذلك سوء الصحة العامة وانتشار الأمراض.
وكذلك كان الفضل لهذه المدائن في لم شعث الحجاج والوافدين جميعاً، بجميع أصنافهم: القادمين بحراً والقادمين جواً، والقادمين براً.. يقيمون في المدينة التي تلائم وسائط قدومهم إلى البلاد، فيجدون الراحة والصحة في المنازل الأنيقة النظيفة المزود بالماء العذب يفيض لهم من صنابير متصلة بأنابيب مثبتة في داخل جدران منازلهم، وبالكهرباء، وبالنظافة، ويجدون بجانبهم وفي داخل مدينتهم أسواقاً عامرة بكل متطلباتهم واحتياجاتهم، وحتى كمالياتهم وهداياهم.
ونود هنا أن نوضح ( المزايا) التي تحققت لجدة وللمواطنين والحجاج معاً، ببناء هذه المدن الثلاث:
أولاً: تحقق بسببها جمع ما يلزم الحاج منذ نزوله من المركب الذي كان واسطة قدومه، سواء أكان باخرة، أم طائرة، أم سيارة، إلى يوم عودته إلى بلاده من جدة.
ثانياً: تحقق بسببه إقامة الحجاج وتجمعهم في مدينة مستكملة لراحتهم ونظافتهم مع وجود المرافق التي يحتاجونها طيلة وجودهم بجدة
فهي من هذه الناحية عبارة عن فنادق سكنية جامعة.. وبإنشاء هذه المدن الثلاث ارتاح الحجاج من عناء كانوا يقاسونه ومن شتى ألوان المتاعب، من ازدحام وتكدس في الشوارع العمومية والأزقة واعتبارها مساكن لهم. يريقون فيها المياه ويلقون فضلاتهم، وتجاورهم فيها هذه الفضلات الملقاة منهم، وترسل إليهم روائحها وجراثيمها مما يخل بصحتهم، ويخل بصحة البلد، من ناحية عامة، كما ارتاحوا من التكدس في داخل المنازل الخاصة. كما سهلت لهم مدنهم الحصول على أوازمهم وهداياهم من أيسر الطرق وأقربها إلى متناول أيديهم، فكل شيء موجود في أسواقها ليل نهار
ثالثاً: ومن مزايا هذه المدن بالنسبة لراحة الحجاج والمطوفين، سهولة المحافظة على ترتيبات سفرهم وحجبهم، وترتيب ذلك بيسر وسرعة .. فلا يتقدم منهم متأخر، ولا يتأخر متقدم. كل منهم يسافر في الوقت المحدد له حسب ترتيب قدومهم والبرنامج الموضوع لهذا الأمر
رابعاً: تأمين وتسهيل وسائط المواصلات لهم في حلهم وترحالهم بحيث إن وكيل المطوف الذي يباشر شؤونهم بجدة، يجدهم دائماً وبين يديه، متجمعين في مدينتهم. وكل فوج آن وقت ترحيله إلى الجهة التي يريدها يكون ذلك سهل التنفيذ بالنسبة لوجودهم جميعاً في هذه المدينة وعلى مقربة من مكتب وكيل المطوف.
وأول مدينة تم إنشاؤها من قبل إدارة العين العزيزية للحجاج في جدة هي ( مدينة حجاج البحر) وقد أنشئت في عام 1370هـ / 1950م بطريق الميناء البحري الجديد الواقع شمال غرب جدة. وقد أنشئ فيها مسجد جامع واسع، وأضيئت وأضيء المسجد الجامع بالكهرباء، ومدت إليها وإليه أنابيب ماء العين العزيزية كالشرايين، وأنشئ بها سوق فيها دكاكين بها حاجيات وبضائع وسلع مختلفة مما يدخل في الحسبان أن الحجاج يرغبون في شرائه أو إهدائه أو اقتنائه أو استهلاكه. وقد بلغت تكاليف إنشاء هذه المدينة مع المسجد الجامع ( 3300000) ريال عربي سعودي، وجعلت أجرة منزل الحاج الواحد عشرة ريالات يدفعها لمدة واحدة مهما تطل إقامته.. ولا يخفى ما في هذا من مراعاة عدم استغلال الحاج أو إرهاق جيبه، وما فيه من مساعدته وإكرامه في ترخيص أجرة نزله إلى أدنى حد ممكن.. وإن إقامته تستلزم كهرباء وماءاً.. الخ مما يزيد لا محالة عن تكاليف ما دفعه.
هذا وقد لوحظ فيما بعد، أن منشآت هذه المدينة قد أصبحت لا تتناسب بحالتها التي بنيت عليها لأول مرة مع متطلبات العصر الحاضر، ولا مع تطور مدينة جدة، فقد كانت عمارة المدينة القديمة طبقة واحدة، تكتظ اكتظاظاً بمن ينزلون فيها من الحجاج، وبذلك أصبحت لا تؤمن بواقعها الشاهد، الراحة المتوخاة لحجاج بيت الله الحرام، خاصة في أيام اشتداد الحر أو البرد، بجدة.. لذلك قررت إدارة العين العزيزية هدم المساكن السابقة، وبناء مساكن جديدة في محلها تستوفي مطالب الراحة<br />
المنشودة للحجاج. وقد تم الاتفاق بين إدارة العين وشركة المشروعات والتجارة ( العنقري وشركائه) بتاريخ 18-2-1381هـ على إنشاء مباني المدينة الجديدة المزمع إقامتها بدلاً من مباني المدينة القديمة المزمع نقضها وإزالتها، بصفة يراعى معها استيعاب المدينة الجديدة للأعداد المتزايدة سنة بعد أخرى من حجاج البحر .. وهكذا تم إنشاء القسم الشمالي للمدينة أولاً، ثم تم الاتفاق مع ذات الشركة على بناء القسم الجنوبي من المدينة. وبعد بنائهما أضيفت إليهما مبان جديدة لوحظ في إنشائها أن تستوعب المرافق الضرورية للحجاج، فجعل من محتوياتها: فرع البنك الأهلي التجاري وفرع بنك الرياض، وفرع وزارة الصحة، وفرع مؤسسة ا لنقد، وفرع وزارة الحج والأوقاف، وفرع وزارة المواصلات، ومنزل البعثة الطبية المصرية، ومكاتب وكلاء المطوفين بجدة
وأنشئت بالمدينة مطاعم عديدة، وأضيفت إليها محلات تجارية روعي فيها أن تكون ذات علاقة برغبات الحجاج، ودكاكين للصيارفة. وغير ذلك من المرافق التي يحتاج إليها الحجاج.
وقد بلغت تكاليف إقامة المنشآت الجديدة لمدينة حجاج البحر بكاملها (290016.78) ريالاً ( مليونين وتسعمائة وألفي ريال وستة عشر ريالاً وثمانياً وسبعين هللة).
وقد بلغت تكاليف إنشاء مدينة حجاج الجو ( 12590781.77) اثني عشر مليوناً وخمسمائة وتسعين الفاً وسبعمائة وواحداًوثمانين ريالاً، وسبعا ًوسبعين هللة
والجدير بالذكر أن شهر شعبان من كل عام يبتدئ قدوم الحجاج إلى مدينة جدة وفي منتصف ذي الحجة من كل عام تبتدئ عودتهم إلى بلادهم. وعند قدوم أفواج الحجاج الجويين يبتدئ العمل والحركة في مدينة حجاج الجو فيوضع بها حراس ومراقبون ومشرفون وموظفو سكن وعمال. وفي بداية الموسم يعمل بالمدينة أكثر من خمسين عاملاً، ثم يأخذ العمل في الانخفاض عند عودة الحجاج إلى ديارهم، حتى لا يبقى أكثر من ثلاثين عاملاً، طيلة أيام بقية السنة.
وتستوعب مدينة حجاج الجو، في مواسم الحج ما ينيف على ستة آلاف حاج، دفعة واحدة. ومن هؤلاء الحجاج من يسافرون إلى مكة المشرفة ومنهم من يرتحلون إلى المدينة المنورة، وهكذا يستمر انخفاض عدد الحجاج في مدينتهم، برحيل أغلبهم حتى يعودوا جميعهم إلى بلادهم. أما مدينة حجاج الأفارقة فهي تستوعب حوالي ألفي حاج.