• عين الغوري :
كان السلطان (قنصوه الغوري) حاكماً للحجاز، عندما أقام حول مدينة جدة (الصغيرة وقتها)، سوراً مرتفعاً، يحيط بها من كل الجهات، وكان ذلك عام (915 هـ - 1509 م)، وقد عمل (الغوري)، على حل مشكلة المياه في المدينة، حيث أمر بعمل الدراسات والحسابات المستفيضة، وأنفق المال الكثير، لجلب عين جارية، تسقي سكان المدينة، وزوارها، وتحيي مواتها، وتمخضت تلك الدراسات، عن جلب الماء من (وادي قوس)، شمال (الرغامة)، والتي تبعد عن المدينة حوالي 12كم، ثم تنقضي سريعاً فترة حكم السلطان (قنصوه الغوري)، ليتولى الحكم السلطان العثماني (سليم الأول)، سنة (923هـ - 1517م)، ومع توليه الحكم، لم تنقطع (عين الغوري) عن الجريان، بل تواصل عطاؤها تحت نفس الاسم، حتى القرن الثالث عشر الهجري .
ومع توقف (عين الغوري) عن الجريان، وقعت مدينة جدة، تحت ضغط أزمة مائية هائلة، وكان ذلك عام 1270هـ، وهو الأمر الذي دفع أحد تجار جدة (فرج يسر)، للنهوض بجمع التبرعات، والإعانات من أثرياء جدة، وأعيانها، وتجارها، لإصلاح العين، حتى فاضت من جديد، واستمرت في سقيا العباد، من أهل جدة، وزوارها لمدة أربعة وثلاثين عاماً أخرى، حتى اعتراها الإهمال، والضعف، فتوقفت مرة أخرى عام (1302هـ -1884م).
• العين الوزيرية :
اهتمت حكومة السلطان العثماني (عبد الحميد الثاني) بإيصال ماء (العين الوزيرية)، والتي كان قد أجراها أحد ولاة السلطنة الأتراك على المدينة، ومنبعها (بئر الوزيرية شرقي جدة) وسميت بالعين الحميدية نسبة للسلطان عبد الحميد ثم غلب عليها اسم ( العين الوزيرية) مرة أخرى .
بداية العمل (بالعين الوزيرية)، كانت نهاية (عين الغوري)، إلا أن (العين الوزيرية) لم تكن تلبي كامل حاجة السكان، وذلك لوجود نسبة من الملوحة بها، نظراً لقرب مصدرها من مدينة جدة، القريبة بدورها من مياه البحر الأحمر المالحة ، حيث تقدر المسافة ، التي تفصل (العين الوزيرية) ، عن مدينة جدة، قرابة العشرة كيلومترات فقط، كما أنها كانت شديدة التأثر بالمطر، فكلما زاد المطر زادت معه عذوبة الماء، وبالعكس تقل العذوبة بقلة المطر، إلى أن توقفت هذه العين عن العمل سنة (1327هـ - 1909م).
• الكنداسة :
مع تطور الحياة، ودخول العالم عصر البخار، الذي تزامن مع تنامي دور (مدينة جدة) ، ثغر مكة الباسم ، كمورد أساسي للحجاج ، ومقر لقناصل الدول الأجنبية، اخترع الغرب ماكينات التقطير البخارية، التي تحول ماء البحر، إلى ماء عذب صالح للشرب والري .
وقد رأت الحكومة العثمانية، عدم كفاية ماء (العين الوزيرية)، لحاجات السكان، فاستقر قرارها، على جلب هذه الآلة المقطرة، فدخلت البلاد سنة (1325هـ -1907م)، وقد عرفت هذه الآلة، بين المواطنين باسم (الكنداسة).
أحدثت الكنداسة ، نوعاً من الرضا والاطمئنان ، لوجود الماء الصالح للشرب ، (خاصة بالنسبة للجاليات الأجنبية وقناصل الدول)، حيث كان هناك إقبال كبير منهم، على استعمال هذا الماء لخلوه –من وجهة نظرهم– من الجراثيم، التي قد تتعرض لها الصهاريج وماء (العين الوزيرية).
ولكن الكنداسة تنتج من الماء العذب المقطر 300 طن يومياً فقط، وهو مالم يكن كافياً، لسد حاجات سكان المدينة، الآخذة في التوسع، فضلاً عما كان يعتري (الكنداسة) من أعطال، بين الحين والآخر، فتنقطع المياه، ليعود بالتالي مركز الشرب، والاستعمال إلى ماء (العين الوزيرية)، والصهاريج الأخرى.
وفي عام (1328هـ - 1910م)، تعطلت (الكنداسة)، ثم تم إصلاحها، وإعادتها للعمل، واستمرت تعمل بشكل متقطع، حتى توقفت تماما عن العمل، سنة (1346هـ -1927م)، وكانت الكنداسة تعمل بالفحم الحجري، الذي انقطع وصوله إلى مدينة جدة عام (1343هـ - 1344هـ)، وعندما انقطع الفحم الحجري عن المدينة، صاروا يوقدون عليها بالحطب، مما عجل بخرابها كليا سنة (1346هـ -1927م)، وهو الأمر الذي دفع الحكومة، لاستيراد آلتين كبيرتين للتقطير، في نفس السنة، لحل أزمة المياه، وتحلية ماء البحر، ولكن تزايد الحجيج، ونمو السكان، واتساع المدينة، أدى إلى تحميل الآلتين، بما يفوق طاقتهما، مما عجل بخراب إحداهما .