لما كان الماء هو مصدر الحياة والعمران البشري، فقد حرمت الجزيرة العربية من وجود شرايين الحياة في أراضيها، ممثلة في الأنهار، التي ترسي دعائم الحضارة واستقرار البشر، فعرف سكانها حياة الترحال وراء الماء والكلأ منذ فجر التاريخ.
ولعل الجفاف الذي تعرضت له الجزيرة العربية، في عصورها الغابرة، كان السبب وراء ذلك التصحر الذي نراه الآن، حيث يعتقد الجيولوجيون أن عامل الجفاف قد غوَّر ما بأرض شبه الجزيرة العربية من أنهار إلى أعماق سحيقة، لتكون هي الخزان الدائم لما يتم معالجته من آبار وينابيع جوفية في أراضيها.
وقد لعب الموقع الجغرافي لمدينة جدة دورا بارزاً في حرمانها من مياه الأمطار، حيث تقع جدة على ثغر طبيعي، يخترق الجرف المرجاني، الممتد على طول الساحل الشرقي للبحر الأحمر، غرب الجزيرة العربية، في منطقة كانت فيما مضى مساراً للأودية العميقة، التي كانت تقطع شبه الجزيرة العربية من الشرق إلى الغرب، ولازالت بعض آثار تلك الأودية موجودة إلى الآن، إلا أن انتشار العمران أدّى إلى طمس أغلب مجاري هذه الأودية، ولكنها تبدو واضحة عند هطول الأمطار، حيث تصبح أماكن تجمع للمياه.
وتجدر الإشارة إلى أن مدينة جدة تقع في منطقة تندر فيها الأمطار، وهي منطقة (حوض بني مالك)، كما أن طبقات التربة المكونة لأراضيها تخلو من المياه، إلا في وادي بني مالك، حيث الفرصة مهيأة لاحتواء كميات محدودة من المياه، وكذلك في الوديان المحدودة، بمنطقة السفوح شرقي المدينة، بالإضافة إلى أن نوعية المياه الجوفية الموجودة تحت مدينة جدة لا تصلح للشرب ولا للري، نظراً لارتفاع نسبة الملوحة بها، بسبب قربها من البحر الأحمر.