لقد جعل جلالة الملك (عبد العزيز بن سعود)، - رحمه الله - من مشروع (العين العزيزية)، وقفاً خالداً على جدة، وسكانها، وزوارها، وحجيجها، والوافدين إليها، لتكون صدقة جارية بجزيل الخير للعباد، وبعظيم الثواب إلى منشئها ومجري مائها بتوفيق ربه ، مصداقاً لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما سئل أيّ الصدقة أفضل ؟ قال : "سقي الماء".
وقد احتفل أهل جدة في مهرجانهم العظيم، الذي أقاموه بمناسبة دخول الماء إلى جدة ، في يوم الثلاثاء (الخامس من شهر محرم سنة 1367هـ -الموافق 19 نوفمبر 1947م)، والذي حضره الأمراء، وكبار رجال الدولة، والجاليات الأجنبية، وقناصل الدول، وجمهور كبير من الشعب، وقد كتب المحتفلون وثيقة تاريخية أبرزوا فيها فرحة الأمة بهذا المشروع العظيم، وهذا نصها:
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس).
وقال تعالى، مشيدا لفضل الماء: (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
وقال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة سقي الماء).
وإن صاحب الجلالة، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، رغب في أن يكون له نصيب مما أعده الله من ثواب للمتصدقين العاملين، وحرص على توفير وسائل الراحة والطمأنينة لشعبه الكريم، ووفود بيت الله الأمين، ولأن مدينة جدة عاشت هذه القرون الطويلة، وهي محرومة من ماء معين، يشرب منه سكانها، إلا ما يجتمع من مياه الأمطار في الصهاريج، أو ما يستقطر من مياه البحر المالحة بالآلات الفنية الحديثة .. عاشت هذه المدينة هذه السنوات كلها، وهي تتلظى بآلام الحرمان، من مادة الحياة التي لا حياة للناس بأمر الله إلا بها، ولا استقرار لهم إلا بتوافرها ووجودها، فقد أمر -حفظه الله وأمد في حياته السعيدة- بأن تشترى المقادير التي تكفي لشرب مدينة جدة، من عيون وادي فاطمة، وأن يسحب هذا الماء منه وهو على بعد خمسة وستين كيلاً، من جدة إلى داخل المدينة، ليستقى منه سكان البلاد والحجاج والزوار، كل ذلك على حساب جلالته وعلى نفقته الخاصة، ففي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (وأيما مؤمن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم)، فكيف من سقى آلافاً مؤلفة من المسلمين؟!
هذا وقد تولى معالي وزير المالية، الشيخ عبد الله السليمان الأفخم، إنفاذ الرغبة الملكية العالية، بما عهد فيه من نشاط وهمة، في هذه المهمة التاريخية الغالية، بكل ما تدعو إليه من جهود، فجزاه الله وجميع من عمل فيه خير الجزاء. وإنه في يوم الثلاثاء الموافق 5\1\1367هـ قد وصل هذا الماء إلى مدينة جدة، وأن هذه الساعة المباركة التي وصل فيها الماء إلى هذه المدينة، لهي ساعة تاريخية عظيمة، لذلك فقد اشترك بالاحتفال بها كافة طبقات الشعب السعودي، من أمراء، ووزراء، وأعيان، وعمال، وأهالي، والكل يشعرون بالفرحة الكبرى بنجاح هذا المشروع الجليل.
وإننا إذ نسجل هذه الوثيقة التاريخية في هذا الموقف العظيم، فإننا نسأل الله تعالى أن يطيل في عمر صاحب الجلالة، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وأن يجزل له الثواب الأوفى، والجزاء الحسن، وأن يتولى مكافأته عن المسلمين بالجنة آمين اللهم آمين".
(حملت الوثيقة أكثر من 300 توقيع)